كانت نهاية عصر الخلفاء الراشدين بعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد قضى علي أربع سنوات وبضعة شهور، كانت كلها مليئة بالمشاكل والصعاب.
مقتل الخليفة علي بن أبي طالب سنة 40 هجرية
لم يعرف علي بن أبي طالب طعم الراحة من بداية استلامه الخلافة إلى أن توفاه الله، فقد كان خصمه شخصاً قوياً وهو معاوية بن أبي سفيان، كما كان أعوانه من أهم مصاعبه، بسبب عدم طاعتهم له، وتفرقهم، وقد ذكر ذلك ابن كثير، فقال (كان أمير المؤمنين قد تنغصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، واستفحل أمر الشام، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله، ومع هذا كله خذلوه، وتخلوا عنه حتى كره الحياة، وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن.
طلب أمير المؤمنين علي من الله أن يجعل له بالشهادة
بعد أن تمت المهادنة بين علي ومعاوية، التي نصت على وقف الحرب بينهما، ويكون لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب العراق، ولمعاوية الشام، ولا يدخل أحدهما على الآخر في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو.
إلا أن هذه المهادنة لم تظل وقتا طويلا، فقد أرسل معاوية بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن، في السنة نفسها التي استشهد فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما لم يستطع أمير المؤمنين علي أن يجهز الجيش كما يحلو له، وشاهد جنوده وهم يخذلونه، كره حياته وتمنى الموت، كما ذكرت رواية ابن كثير، فكان يتوجه إلى الله بالدعاء، ويطلب منه أن يعجل بموته، وقد زاد وألح على طلب الموت في أيامه الأخيرة،
فعن جندب قال: (ازدحموا على علي بن أبي طالب، حتى وطئوا على رجله، فقال: اللهم إنني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملوني، اللهم وأرحني منهم، وأرحهم مني ما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم، ووضع يده على لحيته.
معرفة أمير المؤمنين بأنه سيستشهد
فقد وردت بعض أحاديث النبي ﷺ التي أخبر فيها أن علي بن أبي طالب سيكون من الشهداء، منها.
- ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي فتحركت صخرة، فقال ﷺ «إهداء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد».
- ومن تلك الأحاديث ما رواه أبو الأسود الدؤلي فقال: سمعت عليا يقول: أتانى عبد الله بن سلام، وقد أدخلت رجلي في الغرز، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: العراق، فقال أما إنك إن جئتها ليصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وأيم الله لقد سمعت رسول الله ﷺ قبله يقوله، قال أبو الأسود: فعجبت منه، وقلت: رجل محارب يحدث بمثل هذا عن نفسه!.
كما أن هناك الكثير من هذه الأحاديث والروايات التي تنبأ بقتل علي بن أبي طالب.
استشهاد علي بن أبي طالب
بعد انتهاء معركة النهروان، اتَّفق الخوارج على قتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم- لأنهم يرونهم زعماء الكفر كما يظن الخوارج، وكانوا يريدون تخليص المسلمين من شرورهم، ثم اتفقوا على تنفيذ مخططاتهم في وقتٍ واحدٍ، وقت صلاة الفجر، وتم الاتفاق بينهم على يوم التنفيذ، ثم كلفوا أحدهم اسمه {عبد الرحمن بن ملجم} بقتل علي بن أبي طالب، فطلبوا منه الذهاب إلى الكوفة لقتله، ثم كلفوا {البراك بن عبد الله} ليخرج إلى دمشق لقتل معاوية، وكلفوا {عمرو بن بكر} ليذهب إلى مصر لقتل عمرو بن العاص.
فخرج كل منهم لينفذ ما اتفقوا عليه، فشاء الله أن ينجو معاوية وعمرو بن العاص من القتل، وأن تكون الشهادة من نصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لأن ابن ملجم ضربه بسيف مسموم في جبهته، فشقها، وكان ذلك وقت صلاة الفجر، في مسجد الكوفة، صبيحة يوم 21 من رمضان، فمات من أثر تلك الضربة القوية، القاتلة.
فقد ظل ابن الملجم يغطس سيفه بالسم شهراً كاملاً، في حين لم يتمكن الآخران من قتل صاحبيّ عليّ كما اتّفقوا؛ حيث أصيب معاوية -رضي الله عنه- إصابةً بالغةً ولكنَّها لم تقتله، وأمَّا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فلم يحضر الصَّلاة يومها بسبب مرضٍ ألمَّ به، وقُتل من صلَّى بالنَّاس مكانه ذلك اليوم.
ثم أمر علي بن أبي طالب قبل وفاته ابنيه بحبس ابن ملجم، والقصاص منه بعد موته.
وصية علي بن أبي طالب
وصَّى علي -رضي الله عنه- عند وفاته وصيَّةً جامعةً شملت كل شؤون الفرد والمجتمع والحكم؛ لأنها خرجت من قلب رجلٍ حكيمٍ مجرِّبٍ دَرَسَ في مدرسة النَّبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته وكان من أحسن طلابها.
فقد بدأ وصيته باسم الله، وشهادة التوحيد والإقرار برسالة نبيِّه -عليه الصلاة والسلام-، والتَّوجُّه إلى الله بكلِّ عباداته وحياته ومماته وحركاته وسكناته، وبعض ما جاء في تلك الوصية التي وجهها لابنه الحسن وجميع أولاده، وكلُّ من بلغته الوصية، بما يأتي:
- الوصيَّة بالتَّقوى، وأن يثبتوا على الإسلام حتى الممات.
- الوصيَّة بذوي الأرحام، والأيتام، والجيران.
- المسابقة إلى تلاوة القرآن والعمل به.
- الصلاة؛ فهي عماد الدين.
- الصيام، وشهر رمضان.
- الزكاة؛ فهي تُطفئ غضب الله.
- الجهاد بالمال والنَّفس.
- عدم ظلم أهل الذمَّة، أو السَّماح لأحدٍ بفعل ذلك؛ فقد أعطاهم الذمَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- ألَّا يخافوا في الله لومة لائم، بل يأمرون بالمعروف، وينهوا عن المنكر، حتى لا يُولّى عليهم أهل الباطل والشرور.
- التواصل والبذل وعدم التقاطع والتفرق.
- التعاون على البرِّ والتَّقوى، وعدم التَّعاون على الإثم والعدوان.
ثم وصَّى الحسن والحسين بأخيهما محمَّد بن الحنفيَّة، ووصَّاه بهما، ووصَّاه بالرُّجوع إليهما في أموره المهمَّة.
ثم صعدت روحه إلى خالقها، في 21 من رمضان سنة 40 هجرية، فقد توفي وهو في سن الثالثة والستين وهناك رواية خمسا وستين سنة، ثم غسله ابناه الحسن والحسين وصلى عليه، ثم دفن في الكوفة، بدار الإمارة.
وهكذا خرج علي بن أبي طالب من الدنيا بعد جهاد كبير، فقد كان رجلاً عظيماً ليس له مثيل.
لم يستخلف علي بن أبي طالب أحدا
لما قتل علي لم يرشح أحدا لخلافة المسلمين من بعده، فكانت هناك مجموعة صغيرة من الناس مقتنعين بأن علي «كان أفضل المسلمين بعد النبي والوحيد الذي يحق له حكمهم»، وبعد وفاة علي انقسم الناس حول وجهة نظرهم تجاهه، إن «عدم الثقة والمعارضة مع معاوية ورفاقه الشاميين» هو ما وحد الأغلبية، ثم تحول المعجبون بعلي إلى أغلبية؛ بسبب «الاستبداد وسوء الحكم والقمع» الأموي.
بعد وفاة علي، بايع أهل العراق الحسن ابن علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين، أنه الخليفة الجديد، ومع ذلك لم يكن الحسن مهتماً بأن يصبح خليفة، ولمنع المزيد من إراقة الدماء، وقع الحسن صلحا مع معاوية، وتنازل حينها عن الخلافة لصالح معاوية، الذي أصبح أول خليفة للدولة الأموية.
الخاتمة
فقد عانى علي بن أبي طالب منذ استلامه الخلافة الإسلامية من المصاعب التي لا تحتمل، وتفرق المسلمون من حوله، وعزم على أن يلم شمل المسلمين، ويوحد صفوفهم مرة أخرى، إلا أن المنافقين والفاسدين والخوارج أفسدوا عليه ما أراد، وبمجرد استلام معاوية خلافة المسلمين وشؤون دولتهم انتهت بذلك عصر الخلفاء الراشدين، وبدأ عصر جديد في التاريخ الإسلامي وهو عصر الخلافة الأموية.