معركة صفين

وقعت معركة صفين في شهر صفر، سنة 37 هجريا، بعد موقعت الجمل بسنة واحدة، وصفين (اسم مكان قرب الرقة السورية الآن)، كانت بين جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجيش معاوية بن أبي سفيان.

أسباب معركة صفين

عندما تولى علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- الخلافة، وبايعه كل الصحابة والتابعين، إلا معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام، رفض مبايعته قبل أن يأخذ حق عثمان بن عفان ممن قتلوه، وعندما أرسل علي بن أبي طالب جليل بن عبد الله البجلي إليه يدعوه للمبايعة، فلما وصل رسول أمير المؤمنين إلى الشام ذهب معاوية بن أبي سفيان، واستشار عمرو بن العاص السهمي، فعرض عليه أن يجمع أهل الشام، وينزل العراق لكي يطالب بحق عثمان بن عفان.

خروج أمير المؤمنين إلى الشام

لما علما علي بن أبي طالب ذلك، استعد لغزو الشام، فبدأ يحفز الناس، واستطاع تكوين جيش ضخماً، كان عدد ذلك الجيش خمسين ألفا.

وعزموا على أن يتجمعوا بمكان اسمه «النخيلة»، وهي قرب الكوفة من جهة الشام، ثم أتت القبائل من كل إقليم العراق، تساند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم أرسل علي [من النخيلة] زياد بن النضر الحارثي، ومعه ثمانية آلاف مقاتل، وأرسل شرحبيل بن هانئ ومعه أربعة آلاف، ثم خرج أمير المؤمنين بجيشه إلى «المدائن»، فانضموا إليه وولى عليهم سعد بن مسعود الثقفي، وأرسل منهم ثلاثة آلاف إلى «الموصل»، ثم عبر أمير المؤمنين من طريق الجزيرة الرئيسي، ثم علم بخروج معاوية بن أبي سفيان لملاقاته، ونزل بصفين، فأسرع علي إلى (الرقة)، ثم عبر نهر الفرات، ونزل صفين.

أحداث المعركة

قبل الالتحام الكلى، وبدأ الفعلي للمعركة، دار بين الجيشين أكثر من سبعين تشابكا، وفي يوم الثلاثاء من شهر المحرم، أعلن أمير المؤمنين علي أن غداً الأربعاء ستبدأ المعركة والالتحام بينهم، وظلوا يتناقشون في إستراتيجية المعركة، حتى الصباح.

وكل من الجيشين وزعوا جنودهم حسب المعارك الكبرى (ميمنة وميسرة وقلب)، فكان علي بن أبي طالب على القلب، وعبدالله بن عباس على الميسرة، والأشعث بن قيس على المؤمنة.

اليوم الأول: الأربعاء

خرجت مجموعة كبيرة من جيش علي بن أبي طالب بقياة الأشتر النخعي، وخرجت مجموعة من جيش معاوية بقيادة حبيب بن مسلمة، ثم دار القتال بين المجموعتين، من صباح اليوم حتى الغروب، وقتل عدد من الفريقين.

اليوم الثاني: الخميس ٢ صفر

وفي اليوم الثاني قام علي بن أبي طالب بتغير بعض القيادات، فوضع عبدالله بن بديل الخزاعي على الميمنة بدلا من الأشعث، ووضع الأشعث على الميسرة، ثم دار قتالا عنيف بين الجيشين، أشد من اليوم الأول، وبدأ جيش علي بن أبي طالب يتقدم على جيش الشام، ثم تمكن عبدالله بن بديل أن يتغلب على ميسرة جيش معاوية، حتى تقدم باتجاه كتيبة معاوية، ولكن قبل الوصول إليهم تمكنوا من قتله، فأخذ مكانه في قيادة الميمنة [الأشتر]، ثم انقلب الأمر لصالح جيش معاوية، وقتل عدد كبير من جيش علي بن أبي طالب.

اليوم الثالث: يوم الجمعة ليلة الهرير

في اليوم الثالث خرج على جيش العراق عمار بن ياسر، وكان حينذاك قد تجاوز التسعين من عمره، وعلى جيش الشام عمرو بن العاص، وتقاتل الفريقان من الصباح حتى المغرب، ثم استشهد عمار بن ياسر في تلك المعركة، ولم يتحقق النصر لأي من الفريقين على الآخر.

وقد روى ابن كثير في وصف تلك الليلة فقال: (وتعارضوا بالأسنان يقتتل الرجلان، حتى يثخنا، ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا، فإن لله، وإنا إليه لراجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال، حتى تضاحى النهار، وتوجه النصر لأهل العراق (جيش علي بن أبي طالب)، على أهل الشام.

نتائج المعركة

عندما شاهد معاوية انتصارات جيش أمير المؤمنين على جيشه، طلب من عمرو بن العاص خطة لكي يوقف انتصارات العراق، فحث عمرو بن العاص جيش معاوية أن يضعوا المصاحف على أسنة الرماح، ويقصد بذلك أن كتاب الله هو الحكم بينهم، ويوقف علي بن أبي طالب عن مواصلة القتال.

ثم فعل مجموعة من جيش معاوية ما قاله عمرو بن العاص، ووضعوا المصاحف على أسنة رماحهم، ثم نادوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب باسمه دون ألقاب، فقالوا (يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم.

فقد كان علي في ذلك الموقف أمام خيارين: فإما تكملة القتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية، وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً، فقبل علي بن أبي طالب التحكيم وترك القتال.

التحكيم بين الفريقين

اتفق الفريقان على التحكيم، فبعث معاوية عمرو بن العاص حكمًا من عنده، وبعث علي أبا موسى الأشعري حكمًا من عنده، واتفق الفريقان على مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في رمضان سنة 37 هـ الموافق 658، وقد روي في قصة التحكيم الكثير من الروايات التي يختلف عليها أهل السنة والجماعة والشيعة.

وقد شهد هذا الاجتماع من كل فريق عشرة، ممن حضر من أصحاب علي بن أبي طالب: عبد الله بن عباس، الأشعث بن قيس الكندي، سعيد بن قيس الهمداني، حجر بن عدي الكندي، عقبة بن زياد الحضرمي.

ومن أصحاب معاوية بن أبي سفيان حضر الاجتماع: أبو الأعور السلمي، حبيب بن مسلمة الفهري، عبد الرحمن بن خالد المخزومي، يزيد بن الحر العبسي، حمزة بن مالك الهمداني.

ثم اجتمع الحكمان في دومة الجندل بأذرح، وتوقف القتال وأذن علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر، وعاد كل إلى بلده.

ثم تمنى أمير المؤمنين علي بن أبي أن يكون التحكيم سبباً في إزالة الخلاف، وجمع الكلمة ووحدة الصف وتقوية الدولة، وإعادة للفتوحات الإسلامية من جديد.

للوصول لفكرة التحكيم والموافقة عليه عدة عوامل

لأنها كانت آخر محاولة من المحاولات التي بذلت لوقف القتال، وحقن الدماء.

تساقط القتلى وإراقة الدماء الكثيرة.

إحساس الناس بالملل من كثرة القتال، مما جعلهم يوافقون على الهدنة من أول لحظة.

الاستجابة لصوت الوحي الدعي للإصلاح قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

معاملة الأسرى

لقد بين الإسلام حسن معاملة الأسرى وإكرامهم، وحث رسول الله ﷺ على إكرام الأسير، وإطعامه أفضل الأكل، وكل ذلك الإكرام مع غير المسلمين، فما بالك بأسرى المسلمين أنفسهم، فالإكرام والإحسان للأسير المسلم أحق وأولى، فقد أحسن أمير المؤمنين علي بن أبي معاملة الأسرى وأكرمهم وحثهم ونصحهم، ومنها:

إكرام الأسير والإحسان إليه.

يعرض عليه البيعة والدخول في الطاعة، فإن بايع، حرره وأخلى سبيله.

وإن أبى البيعة أخذ سلاحه، ثم يحلفه أن لا يعود إلى القتال ثم يحرره.

وإن أصر على القتال ظل أسيراً عنده، وكان يصبر عليه، ولا يقتله لعدم طاعته.

الخاتمة

كان أمير المؤمنين علي بن أبي يتفقد القتلى، ويترحم عليهم، كما كان يقول عن شهداء معاوية أنهم في الجنة، وشهداء جيشه أيضاً في الجنة، وإنما الأمر بينه وبين معاوية، كما وصفهم بالمؤمنين والشيء نفسه عن شهداء معركة الجمل.

فهذا الخلاف نشب بسبب الفتنة التي أحدثها عبدالله بن سبأ وأتباعه من السبئية، وكل هذا كان بفعلهم، وسبب تفرق المسلمين وتشتت الأمة الإسلامية، فشُغلوا بأنفسهم وتركوا الفتوحات، وتوغلهم في البلاد لإعلاء كلمة الله.

ماذا قال رسول الله ﷺ عن صفين؟

قد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بمجموعة من الفتن التي ستقع بعده، ومنها معركة صفين.

روى البخاري، ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ.

وهذا الوصف ينطبق على قتال صفين، حيث كان الجيشان عظيمين، جيش علي وجيش معاوية ومن معه من أهل الشام، وكان القتل كثيرا، فقد طال القتال، وكانت دعوتهما واحدة فكل طائفة تنتسب إلى الإسلام، وتدعو إلى ما تعتقده من الحق.

من الذي انتصر في معركة صفين؟

كانت قوات الجيشين متقاربة، ومتكافئة، وكلا الفريقين كان له شهداء، وأسرى عند الآخر، حتى حكموا كتاب الله بينهم، وأوقفوا القتال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top