معركة النهروان

تعتبر معركة النهروان هي آخر المعارك في عهد خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وكانت بعد معركة صفين، سنة 38 هجرية، بين جيش أمير المؤمنين علي، والخوارج، بعد التحكيم الذي حدث بين جيش علي وجيش معاوية.

أحداث ما قبل معركة النهروان

لم يكن أمام أمير المؤمنين عليٍّ -رضي الله عنه- غير العودة إلى القتال، لأنَّ التحكيم لم يكن وفق ما تمنى، وأنَّه انتهى إلى خلافٍ بين الحكمين؛ فلذلك حسب علي بن أبي طالب نفسه متحررا من «وثيقة صفين»، التي نصت على إزالة الحرب تماما بين المسلمين وبعضهم البعض، ثم نزل (بالنخيلة)، حيث اتَّخذها قاعدةً لتجمُّع قوَّاته، ولكن واجهته عدَّة مشاكل، فقد انحاز جزء كبير من جيشه لجيش معاوية بن أبي سفيان، فقد وجد نفسه أمام انقسام آخر وهو انسحاب مجموعة أخرى من جيشه يزعمون أنَّ الحكم لله، فلم يستطع خليفة المسلمين تعويض هذا النقص داخل جيشه، فأصبح لديه إحباط بسبب هؤلاء «الخوارج»، فلم يقدر على تنظيم جيشه ليواصل الحرب ضد معاوية.

فحاول أن يرضى الخوراج، فطلب منهم أن يعودوا إلى الكوفة للمشاركة معه في حربه ضدَّ معاوية، وقال لهم أنَّ الحكمين لم يحكما بمقتضى القرآن، وأنَّه يدين حكمهما، فليس هناك أيُّ سببٍ للخلاف.

فوافق الخوراج على العودة، ولكن بشرط، وهذا الشرط كان أقرب إلى رفضهم العودة، “إنَّك لم تغضب لربِّك، وإنَّما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلَّا نابذناك على السواء، إنَّ الله لا يحب الخائنين”. فعندما قرأ عليٌّ -رضي الله عنه- ذلك الرد يئس منهم، فقرر أن يتركهم ويمشي بالناس إلى الشام، فقطع معهم التحالف تماماً، ولكي يُعوض بعض النقص في جيشه، طلب من عبد الله بن عباس دعوة أهل البصرة لنصرته، لكنَّ البصريين امتنعوا عن تلبية النداء ما عدا اثنين من أهمِّ أشرافهم وهما (الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة) وهما من بني تميم قد لبَّيا الدعوة، وكان معهما ثلاثة آلاف ومائتا مقاتل، وهم عدد قليل جداً بالنسبة لعدد البصريين، الذين بلغ تعدادهم ستِّين ألفًا غير الأبناء والعبيد والموالي، وهذا يدل على أن عليًّا قد بدأ يفقد سلطته على البصرة.

أثار إمتناع أهل البصرة غضب عليٍّ -رضي الله عنه- فكتب إلى أهل الكوفة يطلب العون منهم؛ فالكوفة قاعدته وأهلها شيعته، فأتم “أربعون ألفًا، وسبعة عشر ألفًا من الأبناء الأحرار، وثمانية آلافٍ من مواليهم وعبيدهم”، فجمع جيشًا كان عدده أكثر من ثمانية وستين ألفًا ومائتي مقاتل، وهذا فيه شك، لأنَّ عدد الذين خاضوا معركة النهروان بلغ أربعة عشر ألف مقاتلٍ فقط.

كانت وجهة عليٍّ -رضي الله عنه- بلاد الشام، غير أنَّ تحركات الخوارج والأعمال التي قاموا بها في العراق غيَّرت وجهة سيره نحو النهروان؛ ذلك أنَّهم لم يتردَّدوا في استعمال القوَّة ضدَّ كلِّ من اعترض سبيل خروجهم من الكوفة، كما قاتلوا عمَّال الولايات الذين اعترضوا دخولهم أراضيهم.

وقد تسبب ذلك في كثرة الفوضى في الكوفة والمناطق المحيطة بها، وأظهرت ما عزم عليه الخوارج من عدم طاعة الخليفة، ومع ذلك تُؤكِّد روايات المصادر حرصهم على تجنُّب المواجهة ورغبتهم في الالتحاق بأصحابهم المجتمعين في النهروان، معتقدين أنَّه لا ينبغي قتال عليٍّ -رضي الله عنه- ولا القتال معه، ثم.

بلغ عليًّا -رضي الله عنه- وهو يستعد للخروج إلى بلاد الشام ما قاله أتباعه “لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم، فإذا فرغنا منهم وجَّهنا من وجهنا ذلك إلى المحلِّين”، وقد رفض عليٌّ -رضي الله عنه- في بداية الأمر هذا الاقتراح، واعتقد أنَّ قتال أهل الشام ضرورةٌ كبيرة.

ثم انتشر بين الجنود رغبتهم في قتال الخوارج، حتى وصل الخبر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

ويظهر لنا أنَّ العراقيين خافوا من مواجهة أهل الشام في معركةٍ كبيرة مرَّةً ثانية، فأرادوا تأجيل ذلك اللقاء، لأن آثار معركة صفين لا توجد في عقولهم، لذلك لا يُريدون تكرارها، ويسعون إلى تجنُّبها بانتشار فكرة البدء بمحاربة الخوارج، ووصفوا ذلك بالضرورة الملحَّة لإقناع عليٍّ -رضي الله عنه- بقبولها، واضطرَّ عليٌّ -رضي الله عنه- إلى الموافقة على طلبهم، مواسيًا نفسه بأنَّ قتال الخوارج ضرورةٌ شرعية؛ لأنَّهم نكثوا البيعة، وخرجوا على الطاعة.

أسباب معركة النهروان

كانت الشروط التي أخذها أمير المؤمنين علي على الخوارج عدم سفك الدماء، ولا يخيفوا الناس، ولا يقطعوا سبيلاً، وإذا ارتكبوا هذه المخالفات، فقد نبذ إليهم الحرب، ونظراً لأن الخوارج يكفِّرون من خالفهم، ويستبيحون دمه وماله، فقد بدؤوا بسفك الدماء المحرمة في الإسلام، وقد تعددت الروايات في ارتكابهم المحظورات.

ومن ذلك قتلوا التابعي بن الصحابي سيدنا عبدالله بن خَبَّاب بن الأَرَتْ، وقتلوا زوجته وكانت حاملة، فبقروا بطنها وأخرجوا جنينها وذبحوه وذبحوها، فأرسل إليهم سيدنا علي بعد تلك الجريمة الشنيعة، وسألهم من قتلهم؟ فقالوا كلنا قتلناهم، فتوعدهم سيدنا علي بالقتال.

تحريض أمير المؤمنين علي جيشه على القتال:

كان أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- يعرف أن هؤلاء القوم هم الخوارج الذين قصدهم رسول الله ﷺ بالمروق من الدين، لذلك أخذ يحث أصحابه في أثناء مسيرهم إليهم، ويحرضهم على قتالهم.

أحداث المعركة

خرج الخوارج إلى علي، وأتى علي ومعه جيشه، وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدؤكم، وأقبلت الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة، فحملوا على الخيالة الذين أتى بهم علي، ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة، فاستقبلتهم الرماة بالنبل، فرموا وجوههم، وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة، وخرج إليهم الرجال بالرماح والسيوف، فغفل الخوارج، فصاروا قتلا تحت حوافر الخيول، وقتل أمراءهم: عبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سخيرة السلمي.

وقد ترك كثير من الخوارج القتال لكلمة سمعوها من عبد الله بن وهب الراسبي، كانت تدل عندهم على ضعف الإدراك والوهن في اليقين، وهذه الكلمة قالها عندما ضرب علي -رضي الله عنه- رجلاً من الخوارج بسيفه، فقال الخارجي: حبذا الروحة إلى الجنة، فقال عبد الله بن وهب: ما أدري إلى الجنة أم إلى النار، فقال رجل من بني سعد وهو (فروة بن نوفل الأشجعي: إنما حضرت اغتراراً بهذا، وأراه قد شك؟ فانعزل بجماعة من أصحابه، ومال ألف إلى أبي أيوب الأنصاري، وجعل الناس يتسللون.

وقد كانت تلك المعركة حاسمة وقصيرة أخذت وقتاً من اليوم التاسع من شهر صفر من عام ثمان وثلاثين للهجرة.

نتائج المعركة

ثم انتهت هذه المعركة السريعة عن عدد كبير من القتلى في جيش الخوارج، أما عن جيش أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-،

  • فقد روى مسلم في صحيحه، وعن زيد بن وهب: رجلان فقط.
  • وفي رواية بسند حسن قال: وقتل من أصحاب علي اثنا عشر أو ثلاثة عشر.
  • وجاء في رواية صحيحة: أن أبا مجلز قال: ولم يقتل من المسلمين – يقصد جيش علي – إلا تسعة أرهاط، فإن شئت فاذهب إلى أبي برزة، فاسأله فإنه قد شهد ذلك.

وأما قتلى الخوارج، فتذكر الروايات أنهم أصيبوا جميعاً، ويذكر المسعودي أن عدداً يسيراً لا يتجاوز العشرة فروا بعد الهزيمة الكبيرة.

الخاتمة

عامل الخليفة علي بن أبي طالب الخوارج قبل الحرب، وبعدها معاملة المسلمين فما إن انتهت المعركة حتى أصدر أمره في جنده ألا يتبعوا مُدبِرًا، أو يتمموا قتل الجريح، أو يمثِّلوا بقتيل يقول شقيق بن سلمة: لم يسْبِ عليٌّ يوم الجمل ولا يوم النهروان.

وقد سُئل علي أكفارٌ هم، قال: من الكفر فروا، فقيل: منافقون قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً قيل: فما هم قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم، وفي رواية: قوم بغوا علينا فنصرنا عليهم، وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة، فعموا فيها وصموا.

ثم وجه نصيحة لجيشه وللأمة الإسلامية من بعده فقال: «إن خالفوا إمامًا عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إمامًا جائرًا فلا تقاتلوهم، فإن لهم مقالاً».

من هم الخوارج؟

هم مجموعة من المسلمين قد خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

من انتصر في معركة النهروان؟

انتصر جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على الخوارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top