الهجرة الى الحبشة: مسيرة الدعوة في مكة – تحديات وانتصارات

الهجرة الى الحبشة

أَرَاد رَسُول اَللَّه ﷺ أن يُكْمِل مَسِيرَة الدَّعْوة فِي مَكَّة المكرمة رغم كل ما فعلته قريش لإيقاف تلك الدعوة من ضرب وإهانة وتعذيب لرسول الله وأصحابه.

ونلتقي مرة اخرى في قصة جديدة نتحدث فيها عن مسيرة الدعوة في مكة، ونكمل الأحداث السابقة:

تاريخ العرب قبل الإسلام | صفحات من السيرة النبوية

حياة الرسول قبل البعثة – من المولد الى نزول الوحي

الدعوة في مكة المكرمة: من بداية الوحي إلى الإسلام الأول

فهرس المحتوى

الهجرة إلى الحبشة

الهجرة الى الحبشة

حينما خرج رسول الله ﷺ يدعو الناس كافة إلى عبادة الله وحده ويأمرهم بترك ما كانوا يعبدون من قبل، بَدأَت قُرَيش تُهين رَسُول اَللَّه ﷺ وتسخَّر مِنْه وَمِن كَلامِه بل بَدءُوا فِي تَعذِيب كُل مِن اِتَّبع دِين مُحمَّد ﷺ مِن الضُّعفاء والصَّحابة،وَكُلمَا أَصرَّ المسلمون على إِسلامهم اَشتَدِي عَليهِم ذَلِك التَّعْذيب والْأَذى، وأصْبح هذَا الأذى تهْديدًا حَقيقِيا لِهؤلَاء فِي حَياتِهم وعقيدتهم،وَلكِن قُرَيْش لَم تقْنع بِذَلك بل وَسعَت دَائِرة هذَا الأذى لِتلْحقه بِأتْبَاع مُحَمد ﷺ مِن بُطُون قُرَيش نفْسهَا، مُحاولين بِذَلك فِتْنتهم عن دِينهم.

فكانتْ فتنةٌ شديدةٌ الأثرِ على منْ اتبعَ رسولُ اللْه ﷺ منْ أهلِ الإسلام، فافتتنَ منْ افتتنَ وعصمَ اللهُ منهمْ منْ شاء، فلما فُعل ذلكَ بالمسلمينَ أمرهمْ رسولَ اللهِ ﷺ أنْ يخرجوا إلى أرضِ الحبشةِ

الطبري

وتدور فكرة الهجرة إلى الحبشة إلي نقطتين أساسيتين هما

  1. دوافع الهجرة نفسها
  2. أسباب اختيار الحبشة للهجرة

دوافع الهجرة ذاتها:

من الواضح تمامًا أن دوافع الهجرة ارتكزت على محورين هما

  • حماية الدين
  • حماية النفس

وبسبب ذلك الأذى والتعذيب استطاع المشركون أن يفتنوا بعض المسلمون عن دينهم أو جعلوهم يتظاهروا بترك دينهم (الإسلام)، ثم إن قسوة التعذيب الذي تعرض له المسلمون على أيدي المشركين جعلتهم لا يأمنون على حياتهم وقد أراد الرسول ﷺ أن يرفع عنهم هذا التهديد المزدوج، وهو تهديد الدين وتهديد النفس، فأمرهم بالهجرة.

لماذا إختار رسول اللهﷺ الحبشة أن تكون مأوى للمهاجرين

  • اخْتَار رَسُول اَللَّه ﷺ أَرْض الحبَشة دُون سِواهَا لِتكوُّن مَكَان ومأْمن لِلْمسْلمين مِن قُرَيش لِأنَّ مَلِك الحبَشة كان يَعرِف بِالْعَدْل ولَا يظلم عِنْده أحد وَكَان ذَلِك اَلمَلِك يدعي النَّجاشي، فَأمَر رَسُول اَللَّهﷺ المسْلمين بِالْهجْرة إِلَيها خوْفًا عَليهِم مِن الفتنة أو القتْل، لأن المسلمين في دياره سوف يتمتعوا بالأمن والطمأنينة وينعموا بحرية العبادة، مع أن النجاشي كان يدين بالمسيحية،فذهبوا إِلى النَّجاشي وَبقِي رَسُول اَللَّهﷺ فِي مَكَّة لِيكْمل رِسالَته.
  • تميزت أرض الحبشة بأنها مكانًا تجاريًا معروف لقريش، بل كانت من الأماكن التي تكثر فيها تجارتهم وتتسع فيها أرزاقهم، ومن هنا فقد كان من الطبيعي أن يجد فيها المسلمون المهاجرون إليها مصدرًا للرزق عن طريق اشتغالهم بالتجارة،فهم لا يعيشون عالة على أحد.

كم مرة هاجر المسلمون للحبشة؟

قسم المؤرخون هجرة المسلمين إلي الحبشة ألي هجرتين

الهجرة الأولى للحبشة

كانت في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب وكانت تضم عشرة رجال وأربع نسوة طبقا لرواية ابن إسحاق .

  • الرجال هم(عُثْمان بْن عَفَّان وَأبُو حُذيْفَة بْن عُتبَة بْن رَبِيعَة، والزُّبيْر بْن اَلْعَوام، ومصعب بْن عُمَير، وعبْد الرَّحْمن بْن عَوْف، وَأبُو سَلمَه بْن عَبْد الأسد، وعثْمَان بْن مَظعُون، وَعامِر بْن رَبِيعَة بْن مَالِك، وَأبُو سِبْره بْن أَبِي رهم، وسهيْل بْن بَيْضاء).
  • النسوة هن(رُقيَّة بِنْتُ رَسُول اَللَّه ﷺ، وَهِي اِمرأَة عُثْمان، وَسهْلَة بِنْتُ سُهَيل بْن عَمرُو، وَهِي اِمرأَة أَبِي حُذيْفَة، وَأُم سَلمَه بِنْتِ أَبِي أُميَّة بْن المغيرة، اِمرأَة أَبِي سَلمَه، وليْلى بِنْت أَبِي حُثمَة اِمرأَة عَامِر بْن رَبِيعَة).

وقد أضاف «البلاذري» إلي هؤلاء رجلين هما(عَبْد اَللَّه بْن مَسعُود وَحاطِب بْن عمْرو بْن عَبْد شَمْس) وإلي النساء (أُم كُلْثُوم بِنْت هِيل بْن عمْرو، وَهِي اِمرأَة أَبِي سِبْره بْن أَبِي رهم).

فبناء على هذه الرواية تكون الهجرة الأولى قد ضمت اثني عشر رجلًا وخمس نسوة، وهي الرواية الأكثر الي الصواب.

ولكن المسلمين لم يمكثوا مدة طويلة في الحبشة في هجرتهم الأولى فقد ذهبوا إليها في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة ثم عادوا إلى مكة في شوال من السنة نفسها.

لماذا عاد المسلمون سريعًا من الحبشة بعد حوالي ثلاثة أشهر من هجرتهم إليها؟

فقد ذكرت بعض مصادر السيرة أن السبب في رجوع المسلمين سريعًا إلي مكة ما وصل إليهم من قصة الغرانيق.

وخلاصة تلك القصة هي أن رسول الله ﷺ لما رأى عناد قومه عنه دعى الله أن يقارب بينه ﷺ وبينهم، فأنزل الله تعالى على رسوله الكريم سورة النجم فقرأها عليهم رسول الله ﷺ فلما وصل إلى قوله تعالى

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20)}

[النجم]

ألقى الشيطان على لسانه ﷺ: «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى» فلما سمع المشركون ذلك فرحوا لما ذكر به ألهتهم، وعندما وصل رسول الله ﷺ إلى أخر آية وهي آية السجدة فسجد رسول الله وسجد المسلمون لسجود نبيهم، وسجد كل المشركين الحاضرين لأن النبي ذكر ألهتهم.

ثم وصل خبر سجود قريش خلف رسول الله ﷺ إلى المسلمين في الحبشة فلم يشكوا أن قريش أسلمت، فقرر المسلمون العودة إلى رسول الله بمكة المكرمة.

ثم أتي جبريل عليه السلام إلي رسول الله يخبره أنه تلا على الناس ما لم يأته عن الله سبحانه، فحزن حزنًا شديدًا.

فأنزل الله عزوچل

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)}

[الحج]

فأذهب الله عن نبيه الحزن، ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم، بقول الله حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى

{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا}إلى قوله : {إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}

[النجم]

فلما علمت قريش أن رسول الله ﷺ ندم على ما ذكر من منزلة آلهتهم غضبوا منه فازدادوا شرًا وشدة على المسلمين.

وعندما قرب المسلمون دخول مكة بعد عودتهم من الحبشة عرفوا أن كل ما وصل إليهم كان باطلا، فلم يدخل منهم أحد مكة إلا بأمان شخص أو خفية.

والنظر الفاحص في قصة الغرانيق يؤكد أنها مختلفة في أصلها، فهي تحمل في دواخلها عوامل تهافتها وانهيارها.

فحديث الغرانيق حديث لا يتسق مع رسالة التوحيد ولا مع العصمة النبوية ولا مع المنطق السليم.

ومن هنا كان علينا أن نبحث عن سبب آخر وراء عودة مهاجري الحبشة الأولين إلى مكة غير ما قيل من أن عودتهم كانت من أجل ما سمعوه من إسلام قريش في قصة الغرانيق.

بعد النظر في حال المسلمين المهاجرين نستنتج أن الظروف التي أحاطت بهؤلاء المهاجرين الأولين لم تكن مشجعة تمام التشجيع.

فقد كانوا عددا قليلا مما عمق إحساسهم بالغربة رغم حسن إستقبال النجاشي لهم، وتشير بعض المصادر إلي ما تعرض له النجاشي خلال تلك الفترة من إضطرابات داخلية جعلت بعض المسلمين يقف معه ويقاتل بجانبه.

ومن هؤلاء الزبير الذي يقول عنه البلاذري إنه «قاتل مع النجاشي عدوًا له»، والواضح أن هذه المسألة لم تكن تبعث الطمأنينة في نفوس المهاجرين، ويضاف إلى ذلك ما سمعوه من إتساع دائرة الإسلام بمكة، وهكذا تجمعت هذه العوامل كلها لتشجيع مهاجري الحبشة الأولين على العودة إلى مكة فعادوا وهم يأملون أن يجدوا موقف أهل مكة من المسلمين قد تغير، ولكنهم «لما كانوا قرب مكة بساعة من نهار» (كما يقول ابن القيم)ـ بلغهم أن قريشا أشد ما كانوا عداوة لرسول الله ﷺ

الهجرة الثانية للحبشة

كانت تلك الهجرة في بداية السنة السادسة للبعثة، والغالب أن المسلمين مكثوا بضعة أشهر في مكة قبل أن يتمكنوا من إعداد أنفسهم للهجرة الثانية، فعلمت قريش أن المسلمين يجهزون أنفسهم الهجرة الثانية إلى الحبشة،مما جعل الهجرة الثانية أشد خطورة على المسلمين من هجرتهم الأولى، فحاولت قريش إحباط تلك الهجرة بكل الوسائل الممكنة، فأرسلت قريش من يتعقب المهاجرين إلي الحبشة، وبعثت أيضًا بعض مبعوثيها إلى النجاشي في محاولة منها لصرفه عن نصرة المسلمين وتقديم الحماية لهم، ولكن اختلفت المصادر التاريخية حول عدد البعثات التي أرسلتها قريش بهذا الصدد، وحول بعض الشخصيات التي شاركت فيها.

  • رواية ابن إسحاق تشير إلى أن قريشًا أرسلت إلى النجاشي بعثةً واحدةً مكونةً من(عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة)
  • ورواية موسى بن عقبة تشير إلى أن قريشًا أرسلت إلى النجاشي بعثةً واحدةً مكونةً من( عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة).
  • وهناك من الروايات ما يشير إلى أن قريشا أرسلت بعثتين الأولى مع عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، والثانية مع عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة.

ومهما يكن من خلاف حول عدد البعثات التي أرسلتها قريش إلى النجاشي، وحول بعض الشخصيات التي شاركت فيها فإن ما يتفق عليه مؤرخو السيرة هو أن كل محاولات قريش للإيقاع بين المسلمين والنجاشي، فرفض النجاشي تصديق مبعوثين قريش إلا أن يسمع من المهاجرين أنفسهم، تقول أم سلمة فأرسل إليهم يستدعيهم فدخلوا عليه، وعندئذ سألهم النجاشي:

«فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام – قالت: فعدد عليه أمور الإِسلام – فصدقناه، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك».

قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأ عليّ، فقرأ عليه صدراً من {كهيعص}(مريم:1) (بعض آيات من أوائل سورة مريم)، قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل (بلَّ) لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد.

أم سلمة

بعد ذالك جاءه مبعوث قريش في اليوم التالي وقال له أن المسلمين يقولون في عيسى وأمه قولًا عظيمًا، فسألهم النجاشي عن ذلك الأمر فأجابه جعفر:

«نقول فيه الذي جاءنا به نبينا، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول».

جعفر بن أبي طالب

فأخذ عودًا من الأرض ثم قال:

«والله ماعدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود»

النجاشي

وهكذا لم يستطيع مبعوثين قريش النيل من المهاجرين.

عدد المهاجرين في تلك الهجرة

  • يذكر ابن هشام أنهم كانوا ثلاثة وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم
  • ويذكر اليعقوبي أنهم كانوا سبعين سوى نسائهم وأبنائهم
  • ثم يقدم لنا البلاذري عرضاً مفصلًا لأسماء مهاجري الحبشة، وهم عنده ستة وتسعون رجلًا، ويذكر أيضًا عدد النساءالمهاجرات بصحبة أزواجهن وهن ثماني عشرة.

إسلام حمزة وعمر بن الخطاب

حمزة بن عبدالمطلب هو عم النبي ﷺ، و كان إسلامه أسبق من إسلام عمر بن الخطاب فقد كان حمزة وعمر بن الخطاب فارسي قريش وبطليها وَكَانَتْ تَهَابهُمَا قُرَيْش فَلِذَلِكَ عزَّ الإِسْلَام وَقَوِيٍّ بِهُمَا.

متى أسلم حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب؟

يذكر ابن الأثير أن حمزة أسلم في العام الثاني للبعثة، وأشار معظم دارسوا السيرة إلي أنه أسلم بعد دخول الدعوة في مرحلتها الجهرية، والمعروف أن الدعوة ظلت ثلاث سنوات في سرية تامة، ومن الواضح أن حمزة أسلم بعدما بدأت قريش توجه أذاها المباشر للرسول ﷺوهذا تم بعد الجهر بالدعوة، والأرجح أن حمزة بن عبدالمطلب أسلم في العام الخامس للبعثة ويقال إنه أسلم قبل عمر بن الخطاب بثلاث أيام أي في العام السادس كما سيأتي.

قصة إسلام حمزة بن عبدالمطلب

عندما مر أبو جهل برسول الله ﷺ وهو جالس عند الصفا فشتم أبو جهل رسول الله وآذاه وقبح من شأن رسول الله، فلم يرد رسول الله عليه، فسمعت ذلك الحديث مولاة (عبد اللَّه بن جدعان) فذهبت وأخبرت حمزة بذلك، وكان حمزه ماذال على شركه فغضب غضبًا شديدًا من أبو جهل، وكان راجعًا من رحلة صيد فلم يطف بالكعبة كعادته، بل أسرع يبحث عن أبي جهل فوجده جالسًا في الكعبة وحوله مجموعة من قريش، فضرب حمزة أبو جهل بالسهم وأصاب رأسه، ثم قال له حمزة بن عبدالمطلب: أتشتمه وأنا على دينه، وأقول ما يقول؟فرد ذلك علي إِنَّ اِسْتَطَعْتَ، فقام رجال من بني مخزوم ليضربوا حمزة فقال أبو جهل:«دعوا أبا عمارة، فإني قد سببت ابن أخيه سبا قبيحًا».

وظل حمزة بن عبدالمطلب على إسلامه منذ تلك الحادثة.

إسلام عمر بن الخطاب

جاء إسلامه بعد إسلام حمزة ليزيد الإسلام عزًا ومنعة، فقد كان عمر بن الخطاب معروفًا بأنه غليظًا قاسيًا يلقي المسلمون منه أذى شديدًا، لذلك كان المسلمون يستبعدون إسلامه حتى قال بعضهم: «لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب».

قصة إسلام عمر بن الخطاب

هناك عدة روايات حول إسلام عمر بن الخطاب منها

  1. أنه أراد أن يقتل رسول الله ﷺ فخرج يحمل سيفه، فسمع أن أخته وزوجها قد أسلما فذهب إلي بيت أخته فسمع بعض آيات القرآن في بيتها، فضربها ضربًا شديدًا ،فطلب منها أن تعطيه الصحيفة ليقرأها فرفضت أخته حتى يغتسل، فتطهر ثم أخذ القرآن وقرأه فرق قلبه للإسلام.
  2. أنه كان ذاهب لشرب الخمر فسمع رسول الله ﷺ وهو يقرأ القرآن في الكعبة فرق قلبه له فأسلم.
  3. أن عمر بن الخطاب قد سمع دعاء الرسول ﷺ له وهذا الحديث صحيح.

«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ»

حديث صحيح.

والأصح أنه سمع القرآن وتأثر بما فيه من حكم بالغة وبيان، وعلم بدعاء الرسول له وحسن حديث الرسول معه فشهد شهادة الحق وأسلم لله، ومهما تكن الرواية الصحيحة حول كل ما يتعلق بإسلام عمر فإن ما نطمئن إليه أن إسلامه لم يكن قرارا عفويا وليد اللحظة، بل كان مسبوقا بتدبر عميق وصرح داخلي حاد.

وقد أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة السادسة من البعثة.

اتجاه قريش في مقاومة الدعوة بعد الهجرة

لقد ذكرنا أن الإسلام والمسلمين عَزَّوا ومنعوا وأصبحوا أقوي عندما أسلم حمزة وعمر بن الخطاب لقوتهما وصلابتهما، معني هذا أن قريش خففت أذاها عن رسول الله وأصحابه، فلم تمنع الأذي عنهم تماماً والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب قد نال نصيب من هذا الأذي، فقال رضي الله عنه

«فَمَا زِلْتُ أَضْرِب وَاضْرب حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ».

عمر بن الخطاب

والأرجح أن قريش قد عدلت أساليبها في الإيذاء ومقاومة الدعوة الإسلامية وحدثتها حتى تتناسب مع المتغيرات الجديدة، فكانت قريش في البداية لا تهتم لرسول الله ولم تأخذ دعوته مأخذ الجد فلم بدأت أعداد المسلمين تزداد يومًا بعد الآخر اتخذت المقاومة شكلًا أخر، وهو محاولة قريش لإغراء أبي طالب ليتخلي عن نصرة ابن أخيه محمد ﷺ لكي لا يجد من يساند دعوته، ثم اتجهت مقاومة قريش إلي أصحاب رسول الله ﷺ، فكل ذلك لم يؤثر علي الدعوة ومضت في طريقها تكتسب مزيدًا من الأنصار، مما جعل قريش تدرك أن الأمر جد لا هزل فيه، ولذلك طورت قريش من أساليبها في مقاومة الدعوة، وقد ارتكزت تلك المقاومة على محورين هما

إنزال الأذى المباشر بالرسول ﷺ

قبل هجرة المسلمين إلى الحبشة كانت قريش ترعى حقوق أبي طالب عليها فلا تمد يدها بسوء إلى ابن أخيه محمد، أما بعد الهجرة إلى الحبشة فقد أسقطت قريش هذا الاعتبار، فوجهت أذاها إلى رسول الله ﷺ وقد طال هذا الأذي أبو طالب نفسه.

وقامت بتدريج الأذى لرسول الله ﷺ فبدأت ب

المرحلة الاولى للأذى

وهي الأذى النفسي حيث رموه بالجنون

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}

(الحجر:6).

ثم رموه بالسحر وَالكذِب

{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}

(ص:4)

ونسبوا إليه الشعر والكهانة، فقد أرادت قريش من ذلك أن تقضي على مصداقية الدعوة الإسلامية، لكن لم تتأثر الدعوة بهذه الادعاءات لأن رسول الله ﷺ معروف بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء فلم يصدق أحد تلك الشائعات عن رسول الله.

المرحلة الثانية

ثم بدأت قريش في الأذى بشتم وسب وإهانة رسول الله ﷺ، ثم بعد ذلك مرحلة الأذى البدني وهناك من أشتهر بإذاء النبي محمد مثل: أبو جهل وأبو لهب وأميَّة بن خلف وَأخوه أبي بن خَلَف وعقبة بن أبي معيط، وهو أشدهم إذاء لرسول الله.

والحق أن الأذى الذي لقيه رسول الله من هؤلاء ومن غيرهم من وجوه قريش في المرحلة التي نتناولها الآن لم يزده إلا تمسكًا بدعوته وإصرارًا على حمل أمانة تبليغها.

حصار قريش لبني هاشم وبني المطلب

تعتبر هذه الخطوة من أخطر الخطوات التي اتخذتها قريش ضد المسلمين وأشدها قسوة، والغريب أنها لم تكن موجه لرسول الله والمسلمين فقط بل ضد الي كل عشيرة الرسول مؤمن وكافر من بني هاشم وبني المطلب، والقسوة في تلك الخطوة أنه كان حصار إقتصادي و إجتماعي.

الهدف من ذلك الحصار

القضاء علي عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (بني هاشم وبني المطلب)ماديًا ومعنويًا فيسهل على قريش أن تملي شروطها أو تتركهم بحصارهم، فكان ذلك الحصار في السنة السادسة للبعثة بعد إسلام حمزة وعمر بن الخطاب، وكتب بذلك في صحيفة ووثقتها قريش ثم علقت على الكعبة.

ما نصت عليه تلك الصحيفة

ألا يزوجوا أحدا من بني هاشم وبني المطلب ولا يتزوجوا منهم، ولا يبيعوا لهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، وقد وقفت بنو هاشم وبنو المطلب -مسلمهم وكافرهم- في هذه المحنة صفًا واحدًا مع رسول الله ﷺ، واستغلال لموقف رسول الله وأصحابه بدأت قريش تساوم وتتفاوض مع رسول الله بكل الطرق فلم يرد عليهم رسول الله.

مدة الحصار

استمر بنو هاشم وبنو المطلب يعانون من شدت وتأثير هذا الحصار ثلاث سنين.

إنتهاء الحصار

وهناك رجال من قريش قد أحسوا بالخجل مما يفعلونه ببني عمومتهم فاجتمعوا واتفقوا على نقض الصحيفة، وهم (زُهَير بْن أبي أُميَّة بن المغيرة المخزومي، والمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأبو البختري العاص بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وزمعة بن الأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزي)، فذهبوا الي تنفيذ قرارهم فاعترضهم أبو جهل ليمنعهم من تمزيق الصحيفة فوجد الأرضة(وهي حشرة بيضاء مصفرة تأكل الاخشاب ونحوه) قد أكلت الصحيفة ما عدا «باسمك اللهم»

وبذلك انتهى هذا الحصار الأثيم، فخرج منه المسلمون كما دخلوه مستمسكين بدعوة الدين الجديد، بل زادهم قوة وصلابة، وعندما انتهى ذلك الحصار بدأت الدعوة الإسلامية تدخل مرحلتها الأخيرة في مكة.

تقدم الدعوة رغم مقاطعة قريش لها

كانت الدعوة تكتسب مواقف وأنصار كل يوم، ومن ذلك مجيء مجموعة من أهل العقل والنظر من خارج مكة يستطلعون أمر الدعوة، ويتعرفون على مبادئها وأهدافها، ويسمعون لرسولها وما نزل عليه من قرآن مثل

  1. الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي، وكان من قبيلة دوس الأزدية اليمنية وكان يعرف بذكائه وفصاحته، فعندما وصل إلى مكة حذرته قريش من رسول الله محمدﷺ، وتأثر بكلامهم فسمع رسول الله وهو يصلي في المسجد فقال:

أثكل أمي (أي افقدها إياي) ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل

الطفيل

فعرض عليه الرسول ﷺ الإسلام، وقرأ عليه القرآن، فأسلم وشهد بالحق، وعاد ليحدث قومه ويدعوهم إليه، ثم عاد إلى رسول الله وقال

له إن دوسا عصوني فادع عليهم، فقال النبي ﷺ : «اللهم اهد دوسا»، فأسلموا بعد غزوة الخندق سنة 5 هـ.

الطفيل

2. قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل كان معروف بفقد بصره ليلاً وقد سمع عن النبي فمدحه بقصيدة، وقصد مكة يريد أن يسلم، فلم يبالي لما يقوله المشركين عن رسول الله ﷺ فذهب إلى رسول الله ثم أسلم وانصرف ثم توفي الأعشى في عامه هذا.

3. أتى وفد إلى مكة المكرمة من النصارى، قيل : إنهم من نجران، وقيل : إنهم من الحبشة، فتحدثوا إلي رسول الله وتأكدوا من صدقه وسمعوا منه آيات من القرآن وفاضت أعينهم من الدمع لما عرفه من الحق فأسلموا.

دعوة أهل الطائف

الطائف مدينة فوق جبال الحجاز، والطريق إليها مخيف و شاق لارتفاعها عن مكة، ولذلك يستغرق الصاعد إليها يوما كاملًا، والهابط منها يستغرق نصف يوم، وهي تبعد الآن عن مكة أكثر من ثمانين كيلو مترًا، وتقطعها السيارات في ساعات بمشقة بالغة، وقد سار رسول الله إليها ماشيًا على قدميه حتى لا تعلم به قريش ويحاول منعه، وقد بني أهلها حولها سورًا يحيط بها فسميت لذلك بالطائف.

موقف أهل الطائف من دعوة رسول الله لهم

وأكثر أهل الطائف من ثقيف وهم فرع من هوازن القيسية المضرية وكانت الطائف في ذلك الوقت لها ثلاثة زعماء من أبناء عمرو بن عمير الثقفي هم(عبد ياليل، ومسعود وحبيب)، فعرض عليهم رسول الله ﷺ دعوته فرفضوا وأساءوا إليه فسلطوا عليه السفهاء والعبيد يسبونه

دعاء الرسول في الطائف

احتمى رسول الله ببستان كرمٍ يملكه «عتبة وشيبة ابنا ربيعة الأمويان» وتعاطفوا مع رسول الله وأرسلوا له قطفًا من العنب مع غلام لهما يسمى عداسًا وكان الرسولﷺ جالسًا يشكوا إلى ربه قائلًا: (اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقلةَ حيلتي، وهواني على الناسِ، يا أرحَمَ الراحمِينَ، أنت رَبُّ المستضعَفِينَ، وأنت ربِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يَتجهَّمُني، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَهُ أمري؟! إن لم يكُنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك)

رواه الطبراني

إسلام عداس النصراني

تحدث رسول الله ﷺ مع عداس ودعاه إلى الإسلام، وأخبره عن نبي الله يونس بن متي فأسلم عداس ونطق الشهادتين.

وعلى الرغم من أن رحلة الطائف قد فشلت في دعوة ثقيف، إلا أنها كسبت للدعوة رجلًا واحدًا خيرًا من قبيلة بأكملها، كما أن هذه الرحلة جعلت أهل الطائف يتفكرون ويتدبرون في أمر تلك الدعوة، ولذلك تأخر إسلامهم إلي العام التاسع للبعثة.

إسلام نفر الجن على يد رسول الله

ثم أرسل الله نفر من الجن ليخفف حزن رسول الله ﷺ علي عناء رحلة الطائف، فسمعوا رسول الله وهو يقرأ القرآن الكريم فأمنوا به، وهو في منتصف الطريق إلى مكة عند «نخلة» وهو يصلي في جوف الليل، وقد ورد ذلك في سورتا الاحقاف والجن قال تعالى

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}

[الأحقاف : ۲۹].

إجارة المطعم بن عدي لرسول الله

علمت قريش برحلة رسول الله ﷺ إلي الطائف قبل عودته إلي مكة فمنعوا رسول الله من دخول مكة، فأجاره في دخول مكة (المطعم بن عدي بن نوف ابن عبد مناف)، وحمل المطعم بن عدي السلاح هو وأبناؤه وعشيرته، فتخوف أهل مكة، حتى قال له أبو جهل : أجرنا من أجرت، ودخل النبي مكة دون أن يجرؤ أحدٌ أن يتعرض له، وظل حافظا هذا الصنيع للمطعم بعد الهجرة، وقيل ﷺ :

أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ في أُسَارَى بَدْرٍ: لو كانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى؛ لَتَرَكْتُهُمْ له.

صحيح البخاري

عرض الدعوة على قبائل العرب

بعدما صبر رسول الله ﷺ علي قريش صبرًا لا تتحمله الجبال الراسيات زمنًا طويلًا، قرر توسيع دعوته بنقلها إلي القبائل القادمة إلى مكة للحج أو العمرة أو التجارة، لعله يجد من يؤمن به من وجهاء القبائل ويضمن مأوى ومأمن لأتباعه المستضعفين والمساكين من تعذيب قريش لهم.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول: يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي، وتصدقوا بي، وتمنعوني.

رواه ابن إسحاق

وكانت قريش تستقبل القبائل الوافدة إليها بشتم النبي ووصفه بأبشع الأوصاف لكي لا يستجيب له أحد من تلك القبائل، وكان عمه أبو لهب يتبعه ويلاحقه ويرد عليه ويصرف الناس عنه.

فقد دعا رسول الله ﷺ معظم القبائل التي كانت تأتي إلى مكة، ومنها (بَنُو عَامِر بْن صَعصعَة، ومحارب بْن خَصفَة، وِفْزارة، وَغَسان، وَمرَّة، وَحَنيفَة، وسليم، وَعبَس، وَبنُو نَصْر، وكندِّه، وكلْب، والْحارث بْن كَعْب).

ولم يكتف الرسول ﷺ بذلك بل ذهب إلى أحياء العرب في منازلهم في سوق عكاظ، وكانت مجمع العرب آنذاك، ثم اتجه إلى مشايخ بني شيبان فتحدث إليهم أبو بكر، ثم قام فيهم رسول الله ﷺ فحدثهم عن دعوته فقالوا له: «دعوت إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال»، وكان فيهم (المثنى ابن حارثة) بطل فتوحات الفرس والعراق فيما بعد، فطلبوا مهلة للتروي والتدبر، وقالوا:«أَلا يحدثوا حدثًا، ولا يأووا محدثا».

فلم يجد رسول الله ﷺ غير الصد والإعراض عنه إلا أنه يصبر ويحتسب الأجر والثواب عند الله، ويظهر ذلك واضحًا في حديث عائشة رضي الله عنها قالت

(هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أُحُدٍ؟ قال: ((لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذ عرَضتُ نفسي على ابن عبدِ يَاليلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فلم يُجبني إلى ما أردتُ، فانطلَقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أَستفِقْ إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قولَ قومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَكَ الجبال لتأمُرَه بما شئتَ فيهم، فناداني ملَكُ الجبال، فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قولَ قومِك لك، وأنا ملَكُ الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمُرَني بأمرِك، فما شئتَ: إن شئتَ أطبَقتُ عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم من يعبُدُ الله وحده لا يشرك به شيئًا)

صحيح مسلم

وهكذا تباينت ردود فعل قبائل العرب، فمنهم من أعرض ونأى بجانبه، ومنهم من انساق خلف تحذيرات أبي لهب وأمثاله، ومنهم من ساوم النبي ﷺ أن يجعل لهم النفوذ ومنهم من طلب التروي واعتذر بلين ولطف.

رحلة الإسراء والمعراج

وقعت حادثة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب في السنة الثانية عشرة من الهجرة قبل هجرة المسلمين إلي المدينة بسنة واحدة.

أراد الله سبحانه وتعالى أن يخفف عن رسول الله ويهون عليه أمر الناس، ما يلقاه من تكذيب قريش وإعراض قبائل العرب، وينقي قلوب المؤمنين قبل أن يقع الحدث الأكبر في تاريخ الإسلام وهو الهجرة إلى يثرب.

فقد أسري الله نبيه محمد مع جبريل ليلًا من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، وكان ﷺ راكبًا علي دابةٍ تسمي البراق فوصل رسول الله الي سدرة المنتهي (أقصى مكان يمكن الوصول إليهِ في السماء) ثم عاد رسول الله ﷺ في نفس الليلة، وسمية بذلك الحدث سورة الإسراء والتي افتتحت

بقوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

[الإسراء]

وفي هذه الليلة فرضت الصلوات الخمس على المسلمين، وقد أشار القرآن عن المعراج

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى(13)عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى(14)عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى(15)إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى(16)ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى(17)لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى(18)}

[النجم]

الخاتمة

متي كانت الهجرة الأولي الي الحبشة؟

كانت الهجرة الأولى في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب وعادوا منها بعد ثلاثة أشهر في شوال.

ما هي نتائج الهجرة إلى الحبشة ؟

تمسك المسلمين بدينهم علي الرغم من أذي المشركين لهم، إنتشار الدين الإسلامي خارج مكة، إظهار محاسن ومكارم الدين الإسلامي وحسن الخلق والحوار مع غير المسلمين.

متي كان إسلام حمزة وعمر بن الخطاب ؟

أسلم حمزة في العام الخامس للبعثة ثم جاء بعده بعدة شهور إسلام عمر بن الخطاب في السنة السادسة للبعثة.

ما هي الأساليب التي اتخذتها قريش لمقاومة الدعوة الإسلامية ؟

السخرية والاستهزاء برسول الله ووصفه بأبشع المواصفات، حبس وتعذيب المسلمين، وحصار بني هاشم وبني المطلب، ومحاولتهم في صد الناس عن سماع الدعوة والقرآن .

ماذا رأي رسول الله ﷺ في المعراج؟

جبريل على هيئته الحقيقية، البراق، الأنبياء، مالك صاحب النار، البيت المعمور، سدرة المنتهى، نهر الكوثر، النار

مقالات ذات صلة

https://islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D8%B4%D8%A9/

https://www.islamweb.net/ar/article/15545/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D8%B4%D8%A9

https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9_%D8%A5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D8%B4%D8%A9_%D9%88%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top