كيف غيرت بيعتا العقبة مسار الإسلام؟ استعراض تاريخي مفصل

كيف غيرت بيعتا العقبة مسار الإسلام؟ استعراض تاريخي مفصل

تعد بيعتا العقبة الأولى والثانية (الكبرى) من أعظم الأحداث التي مر بها الإسلام، حيث بايع عدد من الأنصار النبي محمد ﷺ عند منطقة تسمى(العقبة).

ونلتقي مرة اخرى في قصة جديدة نتحدث فيها عن بيعتا العقبة، ونكمل الأحداث السابقة:

تاريخ العرب قبل الإسلام | صفحات من السيرة النبوية

حياة الرسول قبل البعثة – من المولد الى نزول الوحي

الدعوة في مكة المكرمة: من بداية الوحي إلى الإسلام الأول

الهجرة الى الحبشة: مسيرة الدعوة في مكة – تحديات وانتصارات

بيعة العقبة الأولى

لم يدع النبي محمد ﷺ مجالا ينشر فيه دعوته، ولا سبيلًا إلى ذلك إلا سلكه مهما كانت العقبات، فإن كانت قريش لا تسمع له وتصد الناس عنه إلا أن هناك الآف من الآذان الصاغية والعقول الواعية التي تأتي إلى مكة كل عام، فكان ﷺ يعرض نفسه على القبائل وفي المجامع والمنازل ويقول لهم:

قولوا لا إلهَ إلَّا اللهُ تُفلحوا

حديث صحيح

فكان النبي ﷺ يلقى اعتراضًا وتكذيبًا، غير أن هذا الإعراض لم يزد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إصرارًا على السير في طريق تبليغ رسالته وأداء أمانته، وكانت آيات الوحي يتوالى نزولها عليه تشد من أزره، ضاربة له المثل بمن أرسلوا قبله فصبروا على التكذيب والأذى

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

الأنعام.

أول من أسلم من أهل يثرب

في العام الحادي عشر من النبوة في موسم الحج (يوليو سنة ٦٢٠م)، أتي إلي مكة وفد من الأوس والخزرج (أهل يثرب) فرأوا رسول الله ﷺ يدعو الناس إلى عبادة الله، وتأملوا أحوال النبي ﷺ فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وكان هؤلاء الرجال ستة، هم -كما أوردهم الطبري(أَبُو إِمامة أَسعَد بن زَرَاة ، وعوف بن الحارث ابن عفراء ، وَرافِع بن مَالِك، وقطبه بن عَامِر، وَعقبَة بن عَامِر، وَجابِر بن عَبْد اَللَّه).

فلما رجع هؤلاء إلى يثرب على قومهم ذكروا لهم رسول الله ودعوهم إلي الإسلام، فلم يكن هناك دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر لرسول الله ﷺ

أحداث بيعة العقبة الأولى

وفي الموسم التالي سنة ١٢ من بعثة النبي (سنة ٦٢١م) أتى إلى مكة اثنا عشر رجلًا من الأنصار فلقوا (رسول الله ﷺ بالعقبة) وهي العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء قبل أن تُفتَرَضَ الحَربُ، وكانت تلك البيعة في غاية من السرية والكتمان فجتمعوا ليلاً حتى لا يراهم أحد، وكان الرسول يسعي لإيجاد وطن أمن لنشر دعوته وتأسيس دولته، فكان حريصًا على التأكد أولًا من تقبل مجتمع يثرب للدعوة الجديدة، ورسوخ تعاليمها في قلوبهم، فهو يحتاج إلى دعم بشري، وعقيدة راسخة تبعث في قلوب معتنقيها قيمًا ومبادئ تدفعهم إلى بذل النفس والنفيس، وبيع النفوس لله تعالى بأغلى الأثمان، ومن أجل ذلك كانت بيعة العقبة الأولى لرجال العقبة كما قال عبادة بن الصامت.

بنود بيعة العقبة الأولى

  1. ألا يشركوا بالله شيئا
  2. ألا يسرقوا ولا يزنوا
  3. ولا يقتلوا أولادهم خشية الفقر
  4. ولا يأتوا ببهتان (الكذب والافتراء) بين أيديهم وأرجلهم
  5. ولا يعصوا رسول الله في معروف
  6. إن هم أوفَوا بما عاهدوه عليه فلهم الجنّة، وإن لم يفوا بشيء منه، فأمرهم إلى الله تعالى

أول سفير في الإسلام

وبعد أن تمت البيعة، بعث رسول الله ﷺ مع من بايعه إلى يثرب مصعب بن عمير (هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، وهو أول سفير في الإسلام)، ليعلم المسلمين فيها شرائع الإسلام، ويفقههم في الدين،وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، فذهب معهم إلي يثرب ثم عاد إلي مكة قبل مجيء موسم الحج التالي، يحمل إلى رسول الله بشائر الفوز ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة.

وبفضل جهود مصعب في الدعوة أسلم رجلان من الأوس كان لإسلامهما أثر كبير في نشر دين الله بين قومهما من بين عبد الأشهل وهذان الرجلان هما: (سعد بن معاذ (توفي سنة ٥هـ/٦٢٦م)، وأسيد بن الحضير (توفي سنة ٢٠هـ/ ٦٤١م)).

وهذا يدل على نجاح مصعب بن عمير أشد نجاح في نشر الإسلام وتعاليمه وجمع الناس عليه، ولقب مصعب بن عمير ب (المقرئ)،لأنه تولى إمامة الناس في الصلاة من أوس وخزرج تفاديًا لإثارة النعرات القبلية، وأصبحت يثرب بفضل المقرئ تشهد بداية تنظيم سياسي جديد، يقوم على أساس الدين بدلا من العصبية القبلية ورابطة الدم.

بيعة العقبة الكبرى

أتي مصعب بن عمير إلي مكة في العام التالي للحج سنة 13 من البعثة/ 622م، ومعه وفد يتكون من ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من قبيلتي الأوس والخزرج فقابلوا رسول الله ﷺ عند العقبة فبايعوه على أن يحموه وينصروه ومن معه، وحرص رسول الله ﷺ في تلك البيعة أيضًا على السرية التامة حتي لا يعلم المشركين بها، وهو أمر تفرضه الظروف الأمنية، حتى لا يتسرب خبر البيعة إلى قريش فتقوم بإحباطها .

أحداث بيعة العقبة الكبرى

يقول (كعب بن مالك الأنصاري):

نِمنا تلكَ الليلَةَ – ليلةَ العقَبَةِ – مع قومِنا في رحالِنا، حتَّى إذا مضى ثُلثُ اللَّيلِ، خرَجنا مِن رحالِنا لميعادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، نتسلَّلُ تَسلُّلَ القَطا مُستَخفينَ، حتَّى اجتمَعنا في الشِّعبِ عندَ العَقبَةِ، ونحنُ ثلاثةٌ وسَبعون رجُلًا، ومعَنا امرأتانِ من نسائِنا، نَسيبَةُ بنتُ كَعبٍ وأسماءُ بنتُ عمرِو بنِ عدِيّ، فلمَّا اجتمَعنا في الشِّعبِ ننتَظِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، جاءَنا ومعَهُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ، وهو يومَئذٍ علَى دينِ قومِهِ، إلَّا أنَّهُ أحبَّ أن يحضُرَ أمرَ ابنَ أخيهِ ويستوثِقَ لهُ، فلمَّا جلَس كان أوَّلَ متكَلِّمٍ، قال: يا معشَرَ الخَزرَجِ إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ قد علِمتُم، وقد منَعناهُ مِن قومِنا مِمَّنْ هو علَى مثلِ رأينا فيهِ، فهو في عزَّةٍ من قومِه ومنَعَةٍ في بلدِهِ، وإنَّهُ قد أبى إلَّا الانحيازَ إليكُم واللُّحوقَ بكُم، فإن كنتُم تَرَونَ أنَّكُم وافونَ لهُ بما دَعوتُموه إليهِ، ومانِعوهُ ممَّن خالَفَهُ، فأنتُم وما تحمَّلتُم من ذلكَ، وإِن كنتُم ترَون أنَّكُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بعدَ الخروجِ إليكُم، فمِنَ الآنَ فدَعوهُ فإنَّهُ في عزَّةٍ ومنعَةٍ مِن قومِهِ وبلَدِهِ.

فقُلنا لهُ: قَد سمِعنا ما قلتَ فتكَلَّم يا رسولَ اللهِ، فخُذ لنَفسِكَ وربِّكَ ما أحبَبتَ، فتكلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، فتلَا القُرآنَ، ودعا إلى اللهِ، ورغَّبَ في الإسلامِ، ثُمَّ قالَ: أبايعُكُم علَى أَن تمنَعوني مِمَّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءكُمْ.

فأخذَ البراءُ بنُ مَعرورٍ بيدِهِ وقالَ: نعَم، فوالَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنمنعنَّكَ ممَّا نمنَعُ أزُرَنا، فبايِعنا يا رسولَ اللهِ…

أمرَهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يُخرِجوا منهُم اثنَي عَشرَ نقيبًا يكونونَ علَى قومِهم بما فيهِم، فأخرجوا منهُم النُّقباءَ، تِسعةً من الخزرَجِ وثلاثةً مِن الأَوسِ.

حديث صحيح

ومن هنا أحس الأنصار بأهمية هذه البيعة وخطورتها.

وإذا تأملنا هذه البيعة الثانية نجدها كما قال بعض الباحثين في التاريخ الإسلامي «هي الميثاق الفعلي لقيام دولة المدينة، إذ فوق كونها معاهدة على الإيمان بالله ورسوله، فهي معاهدة سياسية وعسكرية، تضمنت في نصوصها مبدأ المسئولية المشتركة بين رسول الله ﷺ وبين أنصاره من الأوس والخزرج.

بنود بيعة العقبة الكبري

فقد بايع الوافدون من المدينة رسول الله في تلك البيعة على خمس بنود أساسية هي

  1. السمع والطاعة في النشاط والكسل (أي طاعة الله ورسوله في كل الأحوال)
  2. الإنفاق في سبيل الله (في كل الظروف العسر قبل اليسر)
  3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (في كل الأوقات والأحوال ولا يتخلوا عن ذلك ابدا)
  4. قول الحق (دون الخوف من أي سلطة أو قوة أو عتاب أو لوم)
  5. نصرة رسول الله ﷺ والجهاد في سبيل الله.

الختام

رجع الأنصار إلى يثرب، وقاموا بنشر الدعوة الإسلامية فيها على أوسع نطاق حتى انتشر الإسلام بين أهل يثرب انتشارًا لم يكن يتوقعه أحد، وبذلك أصبح للمسلمين إخوانً مؤمنون صادقون في دار أمن وإيمان، وإسلام وسلام، وهي يثرب (المدينة).

متي كانت بيعتا العقبة الأولي والثانية؟

بيعة العقبة الأولى كانت في العام الثاني عشر للبعثة ٦٢١م، والعقبة الثانية كانت في العام التالي الثالث عشر من البعثة ٦٢٢م.

ما هي أسماء النساء التي شهدوا بيعة العقبة الثانية ؟

فقد شهدتها أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمرو رضي الله عنهما.

كم كان عدد من بايعوا رسول الله في بيعتا العقبة؟

في البيعة الأولى كان عددهم إثنا عشر رجلاً من الأوس والخزرج، وفي العقبة الكبرى كانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرآتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top