حدثت غزوة الخندق والتي أطلق عليها غزوة الأحزاب أيضاً في شهر شوال خمسة هجريا، ٦٢٧م، بين المسلمين ومجموعة من القبائل العربية المختلفة(الأحزاب)، حيث تجمعوا للقضاء على المسلمين والدولة الإسلامية.
ونلتقي مرة اخرى في قصة جديدة نتحدث فيها عن غزوة الخندق (الأحزاب)، ونكمل الأحداث السابقة:
تاريخ العرب قبل الإسلام | صفحات من السيرة النبوية
حياة الرسول قبل البعثة – من المولد الى نزول الوحي
الدعوة في مكة المكرمة: من بداية الوحي إلى الإسلام الأول
الهجرة الى الحبشة: مسيرة الدعوة في مكة – تحديات وانتصارات
كيف غيرت بيعتا العقبة مسار الإسلام؟ استعراض تاريخي مفصل
فهرس المحتوى
أسباب غزوة الخندق
حقد يهود المدينة على المسلمين، وبدأ ظهور هذا الحقد بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى، وازداد هذا الحقد شدة تدريجياً، حيث تَآمَر بني النضير على قتل رسول الله ﷺ فى السنة ٤ هجرية، فاضطر النبي ﷺ إلى طردهم خارج المدينة، ثم قام النبي ﷺ بعدة غزوات صغيرة وسريعة، ليقضي على أي تجمع ضد المسلمين، ومن تلك الغزوات
- غزوة ذات الرقاع في شعبان ٤هجريا، ٦٢٦م، إلى بني محارب، وبني ثعلبة من غطفان.
- غزوة دومة الجندل، على أطراف الشام.
- غَزْوَة اَلْمُرَيْسِيعْ إلى بنِي اَلْمُصْطَلَقْ، في شعبان ٥هجريا، يناير ٦٢٧م.
مما ساعد على رفع شأن المسلمين وخذلان قريش، فأتى رجال من اليهود لتحريض قُريشٍ على حرب المُسلمين والقضاء عليهم، وأنّهم سينصُرونهم ويُعاونونهم، بعد أن أخبروهم أنّ دينهم خيرٌ من دين محمد،فأنزل الله تعالى فيهم آياتٍ من سورة النّساء، وهي قوله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
سورة النساء
عدد كلًا من الفريقين فى غزوة الخندق
يل أن عدد المسلمين فى تلك الغزوة، ٣٠٠٠ مقاتل، وقيل تسعُمئة مقاتل.
أما المشركين فكانوا ١٠٠٠٠ مقاتل، أربعة ألاف مقاتل من قريش والبا-قين من بني سليم، وغطفان، وأسد، وفزارة، وأشجع.
سبب تسمية غزوة الخندق ب (غزوة الأحزاب)
الأحزاب اسم أطلق على القبائل العربية التي تجمعت وتحالفت على قتال المسلمين، وهم قريش وأحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة، وغطفان واليهود المقيمين بخيبر، والقبائل التى ذكرناها سابقاً.
وكان لكل جماعة قائد، فكان أبو سفيان بن حرب قائد قريش وحلفائها، وعيينة بن حصن الفزاري قائد غطفان، وحبي بن أخطب قائد اليهود.
أحداث غزوة الخندق
خرجت قريش والقبائل المتحالفة معها(الأحزاب)، وكان الهدف من اشتراكهم في هذه الغزوة، إضعاف شأن المسلمين، وإتمام النصر الذي حالفهم في أحد، وجمع الغنائم، فلما علم رسول الله ﷺ بذلك وبكثرة عدد الأحزاب، ثم دعا النبي المسلمين لكي يشاورهم في الأمر، هل يخرج من المدينة أم يبقى بها؟أم يعسكر بالقرب منها والجبل خلفهم؟
فاجتمع الأغلبية على عدم الخروج إلى عدوهم، ويلتزمون بخطة الدفاع، فلما رأى سلمان الفارسي أن رسول الله ﷺ عزم على البقاء في المدينة، أشار عليه بحفر خندق حول المدينة، فأعجب النبي بتلك الفكرة، فخرج مع أصحابه ليختار مكان لحفر الخندق، فنزل أسفل جبل سلع وهو بالشمال الغربي من المدينة، ثم أخبر أصحابه بذلك الموضع، وأمرهم أن يسرعوا في حفر الخندق لأن العدوا قد اقترب، ولم يترك الرسول ﷺ الصحابة يحفرون الخندق وحدهم، بل عمل معهم فى حفر ذلك الخندق بيده الشريفة، ولما انتهى المسلمون من حفر الخندق عسكر رسول الله وأصحابه فكان جبل سلع خلف ظهورهم، والخندق أمامهم.
فلما أتت قريش وحلفائهم لمهاجمة المدينة، نزلوا في شمالها بمجتمع الأسيال، فعمل أبو سفيان إلى استمالة بني قريظة، لكى ينقضوا عهدهم مع محمد ﷺ، فاستمعوا له ونقضوا عهدهم مع رسول الله ﷺ، فلما علم رسول الله بذلك أرسل سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وأسيد بن حضير يتحققوا من أمر يهود بني قريظة، وأمرهم بعدم الجهر بما يعرفونه، فلما تأكدوا من غدر يهود قريظة أوقع ذلك الخوف في قلوب المسلمين، لإحاطة العدو بهم وإلى ذلك يشير القرآن الكريم بقوله
{إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}
سورة الأحزاب
وكان رسول الله خائفاً أن تهجم بني قريظة على المدينة ليلاً، وخاصة لما وصله أنها استعدت لمهاجمة المدينة، أمر بعض جنود المسلمين بحراسة المدينة.
وأما قريش وحلفائهم فقد أتوا إلى الخندق فلما شاهدوه قالوا{والله إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها}، فحاولوا العثور على مضيق يتمكنون به عبور الخندق، ولكن المسلمين كانوا متيقظين إليهم، فردوهم على أعقابهم، لكي لا يقتحموا المضيق، وفي تلك الغزوة لم يشتبك المسلمون مع المشركين في حرب، بل اقتصر الأمر على مبارزات فردية، وحصار قريش للمدينة.
وفي ليلة السبت من شوال سنة ٥ هجرية، أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل وبعض رجال قريش يطلب منهم الخروج غداً لقتال رسول الله وأصحابه، فقالوا {إنّا لا يمكننا أن نقاتل في السبت ولم يصبنا ما أصابنا إلّا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل حتى تعطونا رهائن منكم حتى لا تتركونا، وترجعوا إلى بلادكم} وأرسلت غطفان أيضا إلى بنى قريظة فردوا عليهم نفس الرد، فتحققت قريش وغطفان من كلام نعيم بن مسعود، وتفرّقت القلوب ونقضوا العهود، ويئس كل منهم من مساعدة الآخر، ثم أرسل الله ريح شديدة على الأحزاب، فى يوم شديد البرودة، منعت الأحزاب من مواصلة القتال، فأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يطلع عليهم النهار، وأنزل الله في سورة الأحزاب يذكر نعمته على المسلمين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)}
سورة الأحزاب
وعندما بدأ أبو سفيان بن حرب الرجوع إلى مكة أرسل إلى رسول الله كتاباً جاء فيه
“باسمك اللهم، فإني أحلف باللات والعزى .. وأساف ونائلة وهبل، لقد سرتُ إليك في جمع وأنا أريد ألا أعود إليك أبداً حتى أستأصلكم، فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها، وإنما تعرف ظل رماحها وشبا سيوفها، وما فعلت هذا إلا فراراً من سيوفنا ولقائنا، ولك مني يوم كيوم أحد”.
فأرسل له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جوابه فيه:”بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب، فقد أتاني كتابك، وقديماً غرك بالله الغرور. أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافاً ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب “.
[الحلبي: السيرة الحلبية 2/ 628].
معجزات الرسول ﷺ فى غزوة الخندق
- كان الرسول يكثر الطعام القليل، وذلك بدعاء الله أن يبارك فيه ويطرح فيه البركة.
- نبوءة الرسول بفتح الشام واليمن وفارس، حينما اعترضت صخرة كبيرة الصحابة عند حفر الخندق، فأخذ رسول الله ﷺ يكسرها وهو يقول:
{بسمِ اللهِ، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال : اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ وقال : بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ}، وهذه بشارة للمسلمين بإتساع الفتوحات الإسلامية.
حديث حسن
نتائج غزوة الخندق
- ظل المسلمون على إيمانهم وثباتهم ضد الأحزاب رغم كل الصعاب التي واجهتهم وأدي ذلك إلي تراجع المشركين وانسحابهم.
- انتشار الخوف بين الأحزاب وقريش، وعدم الثقة بينهم.
- حسن تصرف النبي محمد ﷺ مع أصحابه فى وقت الحصار وحثهم على الصبر، مما اضطر الأحزاب إلى ترك الحصار والتراجع.
- استشهاد ستةٍ من الصحابة ثلاثة من قبيلة الأوس، وهم: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس، وعبد الله بن سهيل، وثلاثة من قبيلة الخزرج، وهم: الطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنمة، وكعب ابن زيد، وبالمُقابل قُتل ثلاثةُ أشخاصٍ من المُشركين.
دروس وعبر في غزوة الخندق
- تواضع الرسول ﷺ وهو القائد الأعلى للمسلمين، وظهر ذلك عندما حفر رسول الله الخندق مع جنوده.
- الحرب خُدعة، وظهر ذلك في ما فعله الصحابيّ نُعَيم بن مسعود بإثارة الفتنة والإشاعة بين بني قُريظة وقُريش وغطفان.
- القيادة العظيمة والإنسانية الرحيمة تظهر فى قائد المسلمين محمد ﷺ مما جعلهم يثقون به ويثبتوا على موقفهم، عكس ما فعله قادة المشركين من الارتباك والتفرق.
- النصر من الله تعالى وحده، ولا يناله الإنسان إلا بنُصْرة الله له، والتوكّل عليه، والتوجّه إليه بِالدُعاء، مع الأخذ بالأسباب.
الخاتمة
كان لفشل الأحزاب ورجوعهم عن المدينة منهزمين أثر عظيم في نفوس المسلمين والعرب كافة، وتبين للمشركين أن المدينة لا يستطيع أحد أخذها بالقوة، ولو اجتمعت لذلك آلاف الجنود من كل بقاع الأرض.