كانت مصادر النظام المالي في عهد معاوية بن أبي سفيان يتكون من الزكاة، والجزية والخراج والشعور والصوافي، كما أنفق معاوية الكثير من الأموال ليوحد بها قلوب الزعماء والأشراف، ويقوى أركان الدولة الإسلامية.
مصادر دخل الدولة:
- الزكاة:
كانت الذكاة هي أهم مصدر من مصادر النظام المالي الإسلامي، وذلك لأنها ثابتة في الكتاب والسنة، إذ يقول عنها الله -سبحانه- وتعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)) [البينة: آية 5].
وأجمع المسلمون كلهم على وجوبها باعتبارها أحد أركان الإسلام الخمسة، فلذلك اتفاق صحابة رسول اللہ ﷺ على قتال كل من أراد منعها في عهد أبي بكر الصديق، وقد أسند إلى السلطان مهمة جمعها وإنفاقها، وكان رسول الله يجمعها ويقوم على تفريقها، وكذلك فعل أبو بكر وعمر. أما في عهد عثمان لما كثرت الأموال، فقد رأى أن يوكل أمرها للممولين فيما يتعلق بالأموال الباطنة كمندوب عن الإمام، أما الأموال الظاهرة.
مثل الزروع والمواشي وغيرها، فقد استمرت الدولة في جمعها وإنفاقها.
وقد ورد عن أبي بكر وعثمان بن عفان أنهما كانا يأخذان زكاة المال من عطاء الرجل، ثم اختلف بعد مقتل عثمان هل تدفع الزكاة إلى الولاة أم لا؟
وهذا الخلاف بشأن الأموال الباطنة. أما الأموال الظاهرة، فظلت تجمعها الدولة، وذلك دليل على سبب نقص حصيلة الزكاة بشكل عام في العصر الأموي، لامتناع جماعة من الناس عن دفعها للولاة، وتفريقها على حسب رغبتهم، عدا عهد [عمر بن عبد العزيز] الذي ما إن سمع الناس بولايته حتى سارعوا إلى دفعها للدولة، كما أعاد كذلك أخذ الزكاة من العطاء، أي بالخصم عند المنبع، وهكذا يعكس تكبير دور الزكاة كأحد مكونات الإيرادات العامة خلال عهد عمر بن عبد العزيز، ولا يقصد بهذا إغفال دورها الهام طيلة العصر الأموي، فعلى الرغم من عدم تواجد أرقام عنه، إلا أن الدلائل تشير إلى كبر أهميتها، لأنها كانت تجمع من قطاعين رئيسيين من قطاعات الاقتصاد الأموي، هما :
- قطاع الزراعة.
- وقطاع التجارة.
خاصة في ظل نظام العشور، ومنها أيضاً وجود ديوان خاص يسمى ديوان الصدقات (وهو الديوان الذي يتولى النظر في أمور الزكاة والصدقات التي تجمع من القادرين والمتمكنين مالياً لتُوَزَّع على من يستحقها في الوجوه الشرعية التي ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوية)،
وبصفة عامة يمكن القول بأن نظام
الزكاة كان مطبقاً في العهد الأموي حسب الأسس الشرعية الخاصة به، وأن قمة التغير بالنسبة لحصيلة الزكاة كان في عهد عمر بن عبد العزيز حيث وثق الشعب في الدولة نتيجة حرصها على تطبيق الإسلام كواقع عملي، فسارع إلى دفع الزكاة إليها، وكذلك أخذ الزكاة من العطاء فيه تخفيف لتكاليف جمع الزكاة، فزيادة الموارد مع قلة التكاليف أحدثت تطورا ملحوظاً في حصيلة الزكاة.
- الجزية:
هي ما يؤخذ من أهل الذمة (هم أصحاب الديانات الأخرى، ويعيشون تحت الحكم الإسلامي)، وهي ضريبة على الذمي المستوفي لشروطها مقابل الدفاع عنه، وكانت تمثل أحد الموارد الثابتة للدولة الأموية، تنفيذاً لقوله تعالى: «(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ) [التوبة: آية 29،30]
كما أنها ثابتة في السنة لما قاله المغيرة بن شعبة لترجمان عامل كسرى: (فأمرنا نبينا رسول ربنا ﷺ أن نقاتلكم حتى تعبدون الله وحده، أو تؤدوا الجزية).
كما أنها ثابتة أيضاً بالإجماع، ولم يزد الأمويون شيئاً يذكر بالنسبة لتنظيم الجزية، ويمكن القول بأن جمعها خضعت لما استقر عليه تنظيمها في عهد عمر بن الخطاب، من حيث ضوابطها تمثلت في أربعة هي:
- تحديد المجموعة التي تؤخذ منها الجزية متمثلة في الذكور العقلاء البالغين.
- ثم تحديد المجموعة المعفاة منها: وهم: الصبيان والنساء، المرضى المزمنون، العبيد، المجانين، العميان، الشيوخ، الرهبان الذين لا مورد لهم.
- وكذلك مراعاة مستوى دخل الممول.
- فكانت تفرض على الفرد الغني (48) درهماً سنوياً، وعلى المتوسط (24) درهماً سنوياً، وعلى ما دون ذلك (12) درهماً سنوياً بشرط أن يكون صاحب صنعة.
وأما عن تصنيفها، فيمكن تقسيم الجزية وفق المعيارين التاليين:
- معيار المسؤولية: وفيه تنقسم الجزية إلى فردية وجماعية، فالجزية الفردية هي التي تفرض على كل ذمي مستوف لشروطها في صورة مبلغ محدد يسقط عنه حالة إسلامه. أما الجماعية أو المشتركة، فكانت تتم بوضع مبلغ إجمالي معين على أهل القرية أو المدينة، ثم يتولون هم توزيعه بين أفرادهم، ومثال على الجزية الجماعية في عهد النبي ﷺ (عندما صالح أهل أذرح على مائة دينار في كل رجب)، وكما كان أغلب الجزية في العصر الأموي من هذا النوع.
- معيار النقدية والعينية: وطبقاً له انقسمت الجزية إلى ثلاثة أقسام: جزية نقدية،
جزية عينية، وجزية مشتركة.
وكل أصناف الجزية كانت معمولا بها في العصر الأموي، فلم يوجد ما يشير إلى الخروج عن ذلك، لأن الشريعة الإسلامية توجب الالتزام بعقود الصلح، والوفاء بها، وهذا لم يمنع من خروج بعض الولاة أحياناً عن الضوابط الشرعية.
ويتضح لنا من ذلك الدور الكبير الذي قامت به الدولة الأموية في نشر الإسلام في بلدان كثيرة تم فتحها وفرض الجزية على من لم يسلم من أهلها.
- الخراج:
كان الخراج كبقية المصادر المالية للدولة التي كان لعمر بن الخطاب القيادة في تنظيمها، فقد استفادت الدولة الأموية من تنظيم عمر للخراج، وللخراج معنى خاص: وهو إيراد الأراضي التي افتتحها المسلمون غصباً، وأوقفها الإمام لمصالح المسلمين باستمرار كما فعل عمر بأرض السواد من العراق والشام.
فالخراج كما قال ابن رجب الحنبلي: (لا يقاس بإجارة ولا ثمن، بل هو أصل ثابت بنفسه لا يقاس بغيره.
كما كان للخراج أهمية كبرى بالنسبة للدولة الأموية، وكانت غلة الخراج في منطقة السواد على سبيل المثال في عهد ابنه عبيد الله سنة 54هـ – 66هـ بلغ 135 مليون درهم، وأما منطقة الجزيرة والشام: فقد استمر الخراج في هذه المنطقة وفقاً لما وضعه معاوية بن أبي سفيان، الذي فرض ضرائب على أهل المدن ذات شقين، شق منه جزية والآخر خراج وهو كالآتي:
- على أهل قنسرين حوالي مليون وخمسمائة ألف درهم.
- على الأردن ستمائة ألف درهم.
- على فلسطين ستمائة ألف درهم تقريباً.
وقد حدثت بعض من الضلال في جمع الخراج في عدة صور أهمها:
- فرض الخراج على أرض مستثناة منه بنص عقود الصلح، فقد حدث ذلك في عهد يزيد ابن معاوية (60 – 64) حيث فرض الخراج على «أرض السامرة»، بالأردن وفلسطين.
- استخدام العنف في جمع الخراج، في بعض الأقاليم، إلا عهد عمر بن عبد العزيز، الذي استخدمت فيه الشدة لتجميع الإيرادات بأنواعها.
- تحميل مصروفات جمع الخراج على الممول، ومن تلك المصروفات ثمن الورق الذي يكتب عليه مقادير الخراج، ثمن إيجار المستودعات التي تُخَزَّن حصيلة الخراج العينية فيها، أجرة من يجمع الخراج، وقد حدث ذلك في إقليم العراق قبل عهد عمر بن عبد العزيز، فلما تولى الخلافة أبطلها ثم عادت بعد موته.
كما كان للخراج ديوان خاص به في عهد الدولة الأموية، يسمى ديوان الخراج: (وهو الذي يتولى النظر في جمع ضريبة الخراج، ويجمعها وتسجيلها، ووضع تقديرات لها، لأنها أعظم واردات الدولة.
وكان الأمويون قد فصلوا بين الولاية والجباية (جمع الخراج)، فوضعوا مسؤولين عنها لكي يقللوا المسؤولية، وقد ذكرت المصادر قائمة بأسماء الذين أسندت إليهم مهمة الجباية والإشراف على أعمال الديوان:
فمعاوية-رضي الله عنه -عين على خراج دمشق (سرجون بن منصور)، وعلى خراج فلسطين: (سليمان المشجعي)، وعلى خراج حمص (ابن أثال النصراني)، وفي خلافة يزيد بن معاوية ظل سرجون بن منصور، على منصبه كما كان عليه طوال حكم معاوية الثاني، ومروان بن الحكم، وعبد الملك، حتى عزله، وقد اهتم معاوية اهتمامًا كبيرًا بإدارة ولاياته في الأراضي المختلفة، وعمل جاهدًا على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في تلك الأماكن، فاستصلح البطائح «وهذه المنطقة مساحة واسعة تغطيها المياه، مع وجود القصب وعلب الماء المتناثرة في المنطقة».
ونتج عن ذلك عمارة البلاد وزيادة الوارد العام بمقدار خمسة آلاف ألف درهم، كما راعي معاوية حالة السكان، وسعی لتطمينهم والتخفيف عن عاتقهم، ببعض الإجراءات يتعلق بعضها بضريبة الخراج نفسها، وبعضها الآخر يتعلق بالقائمين على الضريبة.
ومن الجهة الأخرى، فقد أنصف معاوية من يدفعون الضريبة، باختيار عماله ومتابعته لهم، وإن كانوا من المقربين، فقد عزل (ابن أم الحكم)، وهو عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي، ابن أخت معاوية، لأنه اشتد في أمر الخراج، ولم يقبل من عامل خراجه جمع الخراج قبل موعده الموجود.
وقد استعمل الأمويون الأعاجم في الخراج، وصلاحهم لذلك لأسباب عبر عنها زياد بن أبيه بوضوح منها معرفتهم بأمور الخراج، ودورهم في إعمار الأرض، حيث يقول: (وينبغي أن يكون كتاب الخراج من رؤساء الأعاجم العالمين بأمور الخراج.
- العشور:
هي الأموال التي تُجْمَع على التجارة التي تمر عبر حدود الدولة الإسلامية سواء داخلة أو خارجة من أرض الدولة وهي أشبه ما تكون «بالرسوم الجمركية» الآن، وكان يجمعها موظف يقال له «العاشر» أي الذي يأخذ العشور، وقد كان أول من وضعها في الإسلام هو عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، وقد فرضها على الحربي بنسبة العشر، وعلى الذمي نصف العشر، وعلى المسلم ربع العشر، وقد استمر هذا النظام في العهد الأموي حسب القواعد الآتية:
- لا يحصل العشور إلا مرة واحدة في السنة.
- يشترط لتحصيل العشر من النعم التي للمسلم أن تكون سائمة (هي المواشي التي ترسل للرعي ولا تعلف.
- إزالة الحد الأدنى لرأس المال، والذي قدر بالنسبة للمسلم بمائتي درهم، أما بالنسبة للحربي والذمي، فقد اختلف فيه.
- لا يؤخذ العشور من عبد ولا مكاتب ولا مضارب ولا بضاعة، وإنما من صاحب المال.
- أن يكتب للتاجر حجة بالمبلغ الذي دفعه، وبمقتضاه لا تأخذ منه العشور إلا في السنة التالية.
- أن لا يُفَتَّش التاجر ولا تعنيفه.
- إن من كان لديه دين يستغرق ما معه من التجارة، صدق إن كان مسلماً، وإن شك في أمره استحلفه (على خلاف ذلك)، وأما الذمي فأقرب الأقوال فيه أن يشهد له شاهدان من المسلمين، حتى يُعْفَى عنه.
- إن العشور التي تأخذ من المسلمين هي الزكاة فلا يجمع على المال زكاة وعشور.
- عندما يتعرض الغير المسلم للمواد المالية التي تعد محظورة عند المسلمين، مثل الخمر والخنزير وغيرها، وإن كان غير مملوك للمسلمين، توضيحاً للفكرة، يقومه أناس من غير المسلمين، ويضاف إلى قيمة ما معه من تجارة، ويؤخذ منه العشور.
وكانت العشور تشكل جزءاً مهماً في إيرادات الدولة، من ذلك ما لمسه ابن الزبير من نقص في مواد الدولة حينما منع جمع العشور لمدة عام واحد؛ مما جعله على التراجع على ذلك القرار.
- الصوافي:
هو ما خصصه الإمام لبيت المال من أرض الفيء كما فعل رسول اللہ ﷺ، أو من البلاد المفتوحة بالحرب، بحق الخمس أو باستطابة نفوس الغانمين، كما فعل عمر بن الخطاب، ثم أقطعت أجزاء منها إلى بعض من كان يتولى استثمارها، على أن يؤدي إلى بيت المال ما عليها، وأول من أقطع عثمان بن عفان، لزيادة غلتها، وقد اشترط على من يقطعه إياها حق الفيء، فبلغت غلتها وقتها خمسين مليون درهم، وقد وجه معاوية بن أبي سفيان انتباهاً للصوافي في وقت مبكر، وكتب إلى الخليفة عثمان، وسأله أن يقطعه إياها، ليقوى بها على ما وصف في كتابه.
فلما انتهى إليه الأمر، جعل هذه الأراضي حصراً على فقراء أهل بيته والمسلمين.
أي أن معاوية لم يتصرف فيها في البداية، بل تركها على حالها، ولكن يبدو أن هناك ضرورات سياسية نشأت في الشام دفعت الدولة إلى اتخاذ ضرب جديد من التنظيم والسعي لخدمة مصالح الدولة.
- خمس الغنائم:
معنى الغنيمة: ما غلب عليه المسلمون بالقتال حتى يأخذوه غصباً، وقد نص عليها القرآن الكريم، وفي العصر الأموي ازدادت حركة الفتوحات وبالتالي زادت الغنائم كأحد موارد بیت المال، وقد اتبع الأمويون نفس المسار العمري بالنسبة للغنائم والأراضي المفتوحة، فكان تخميس الغنائم وتقسيمها بين الفاتحين، وترك الأرض فيئاً لمجموع المسلمين مع ضرب الخراج عليها، هذه أهم المصادر المالية للدولة مع وجود مصادر أخرى كنظام خمس الركاز، ومال من لا ورث له، ولكن أهميتهم قليلة بالنسبة للمصادر التي ذكرناها.
النفقات العامة
كما اهتم معاوية بالنفقات العامة، التي منها النفقات العسكرية، والنفقات الإدارية، ومصارف الذكاة، ومصارف الفي، ومعظم مصارف العشور، ونفقات الضمان الاجتماعي.
فقد اشتهر العصر الأموي ازدهارا اقتصادي كبيراً؛ بسبب الفتوحات الإسلامية التي وسعت على نحو رئيسي حدود الدولة الإسلامية.